"سباق" عالمي على رءوس الأموال الإسلامية
مشروعات قوانين لتطويع الأنظمة المالية بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.. خدمات مصرفية إسلامية.. "مؤتمرات دولية لاستقطاب رءوس الأموال الإسلامية".. هذه بعض من إجراءات وتحركات بدأتها دول مسلمة وغير مسلمة بآسيا وأوروبا، فيما وصفه مراقبون بسباق عالمي للاستحواذ على أكبر قدر من رءوس الأموال الإسلامية واعتماد التمويل الإسلامي، الذي يعتبر واحدا من أسرع القطاعات نموا في العالم.
أحدث هذه التحركات، تقديم الحكومة الأيرلندية مشروع قانون جديد إلى البرلمان، يسمح بتطبيق الشريعة الإسلامية على التعاملات المصرفية، سعيا للحصول على حصة أكبر من التمويلات الإسلامية، في إجراء وصف بأنه الأهم في الصناعة المصرفية في البلاد في السنوات العشر الأخيرة، بحسب صحيفة "تايمز" الأيرلندية في عددها الصادر الجمعة 5-2-2010.
ونقلت الصحيفة عن وزير المالية الأيرلندي بريان لينيهان قوله إنه قد جرى طرح اقتراحات لتعديل القوانين الضريبية والمنظمة للعمل المالي والمصرفي في أيرلندا للسماح بإجراء معاملات مصرفية تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وظهور خدمات مصرفية إسلامية.
ويشمل هذا الإجراء مجموعة من المعاملات الائتمانية، من بينها إصدار سندات استثمارية إسلامية، وقروض مصرفية لا تعتمد على الفوائد الربوية، ولا ترتبط بأي محاذير تضعها الشريعة الإسلامية على التعاملات المالية والتجارية، مثل المضاربات، أو المتاجرة في الخمور والمواد الإباحية والتبغ والسلاح ولحم الخنزير.
" التطور الأهم"
ووصف برندان كيلي مدير مركز الخدمات المالية الدولية هذا الإجراء بأنه "التطور الأهم في العمل المصرفي في أيرلندا في غضون السنوات العشر الأخيرة"، مضيفا أن هذه التغييرات من شأنها أن تساعد على "جعل أيرلندا "في بؤرة الاهتمام وخيار مفضل" لرءوس الأموال والتمويلات الإسلامية الخارجية والداخلية.
وقال كيلي إن ذلك سوف يساعد في إعادة بناء الاقتصاد الأيرلندي في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي اندلعت في سبتمبر 2008، بانهيار بنوك ومؤسسات مالية أمريكية كبرى، وظهرت في أعقابها دعوات دولية رسمية من بلدان مثل ألمانيا والصين وبريطانيا لتغيير بنية الاقتصاد العالمي، مع انتقادات رسمية ومؤسسية دولية للنظام الربوي المعمول به في البنوك العادية.
واتفق معه في ذلك أيدان وولش، الذي يعمل في مؤسسة أرنست آند يونج المالية، وقال إن الحكومة الأيرلندية تأمل من وراء هذا الإجراء أن تعزز من جاذبية القطاع المصرفي الأيرلندي أمام الجمهور الإسلامي.
وأضاف: "هذا الإجراء (من جانب الحكومة) سوف يساعد على تعزيز وضعنا، وزيادة جاذبية القطاع المصرفي على المستوى الدولي".
وأظهر تقرير للمؤسسة التي يعمل بها وولش، الأسبوع الماضي، أن أيرلندا تملك "ثالث أكبر اقتصاد معلوم" في العالم، بناء على مؤشرات تتعلق بمدى انفتاح الاقتصاد وحرية تدفق التمويلات إليه، وقال التقرير إن أكثر من 80% من حجم السلع والخدمات التي ينتجها ويقدمها الاقتصاد الأيرلندي يتم تصديرها.
"مؤتمر عالمي"
وفي سياق ذي صلة ، قالت وكالة "آذير تاك" الآذرية الرسمية إن حكومة كازاخستان ستنظم مؤتمرا دوليا في وقت لاحق من هذا العام، حول تطوير التمويل الإسلامي في بلدان الكومنولث الروسي المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق، ومن بينها خمسة جمهوريات إسلامية، هي: كازاخستان وأذربيجان وطاجيكستان وقيرغيزستان وتركمانستان.
وذكرت الوكالة الآذرية أن المؤتمر الذي لم يحدد موعده النهائي بعد، سوف تنظمه وكالة "كبُندس" الكازاخية للمعلومات، وسوف يكون بدعم وتمويل من الرابطة الكازاخية للممولين وجهات أخرى من كازاخستان.
ومن المتوقع أن يحضر المؤتمر ما يقرب من 200 من ممثلي المؤسسات المالية الكازاخية وشركات ووكالات تابعة للدولة، بالإضافة إلى ممثلين عن روسيا وبلدان كومنولث الجمهوريات المستقلة الأخرى.
"الهند"
ولم تقتصر الإجراءات التي اتخذتها الحكومات في العالم على الدول الإسلامية أو الغربية؛ حيث انتقل "السباق العالمي" على التمويل الإسلامي إلى دول كبرى غير إسلامية، مثل الهند التي استضافت مؤخرا مؤتمرا اقتصاديا نظمته الحكومة الهندية بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العربي، واستضافه مركز الثقافة الإسلامية الهندي.
وخصص المؤتمر لمناقشة كيفية تعزيز صناعة التمويل الإسلامي، في معالجة المشكلات التي أدت إليها الأنظمة المصرفية التقليدية، وقادت إلى حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية، بحسب ما نقلته صحيفة "نيو كيرالا" الهندية الجمعة 5-2-2010.
وفي مشاركته أمام المؤتمر الذي اختتم أعماله الخميس الماضي، قال عمر شابرا، الذي يعمل مستشارا للبنك الإسلامي للتنمية في جدة: "إن الأزمة الاقتصادية العالمية نشأت بسبب جشع وانعدام ضمير المضاربين وأصحاب رءوس الأموال في الغرب، والسياسات غير الحكيمة التي تبنتها المصارف الغربية، مثل الإفراط في تقديم القروض من دون ضمانات حقيقية".
وأضاف شابرا أنه "في المقابل، فإن الإسلام يشدد على الإنصاف والعدل في التعاملات المالية والمصرفية، وخصوصا فيما يتعلق بإدارة الديون والقروض وتنظيم الفوائد عليها".
من جهته، أكد منذر قحف الذي يعمل مستشارا للشئون المالية والمصرفية في قطر أن التمويل الإسلامي لا يتلاءم مع متطلبات المسلمين فحسب؛ بل هو نظام صالح للتطبيق على مستوى العالم".
وذكرت "نيو كيرالا" أن الهند "حريصة على جذب الاستثمارات من دول الخليج العربي النفطية الغنية، وتوظيفها في قطاع البنية التحتية، ولذلك، فإن الحكومة الهندية تبحث في مقترحات جديدة لإدخال الخدمات المالية الإسلامية في البلاد".
ونقلت تصريحات لرحمن خان نائب رئيس مجلس الشيوخ الهندي نشرتها صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية مؤخرا، قال فيها إن حزب المؤتمر الحاكم في الهند اقترح إدخال مجموعة من الإصلاحات والإجراءات الجديدة على منظومات عمل وزارة المالية والبنك المركزي وأسواق المال في البلاد للسماح بإدخال الخدمات المصرفية إلى الهند؛ التي يعيش فيها 150 مليون مسلم، يمثلون أكبر أقلية إسلامية في العالم.
ونقلت أيضا عن شايلندرا كومار الرئيس التنفيذي لشركة "إيست ويند" للاستشارات المالية، قوله: "قبل الأزمة المالية العالمية، كانت معظم الأموال الخليجية تتجه إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وماليزيا، أما الآن فإنها في طريقها إلى الهند، التي باتت ثاني أسرع اقتصاد نموا في العالم، باعتبار أنها أصبحت رهانًا آمنًا لأموال الخليج".
"سوق واعدة"
ولا تعتبر هذه الإجراءات لتوسيع الاعتماد على الأدوات المصرفية الإسلامية مقصورة على البلدان ذات الثقل الاقتصادي؛ حيث بدأت بلدان نامية في تبني إجراءات مماثلة، ومن بينها زامبيا التي أعلن محافظ مصرفها المركزي كاليب فوندانجا مؤخرا أن الحكومة بدأت في تنفيذ خطط لتطوير صناعة مصرفية إسلامية، عن طريق تطبيق مبادئ الشريعة على الخدمات المصرفية.
ومنذ أن بدأ في النشاط قبل ثلاثة عقود تقريبا، تطور قطاع التمويل الإسلامي في السنوات الأخيرة، ويعمل 50 بلدا في جميع أنحاء العالم بنظام المصرفية الإسلامية؛ حيث يعتبر واحدا من أسرع القطاعات نموا في الصناعات المالية على مستوى العالم.
واستقطبت صناعة المصرفية الإسلامية اهتمام المستثمرين والمصرفيين في جميع أنحاء العالم، وفي ذلك مؤسسات مالية دولية كبيرة، مثل مصرف "سيتي جروب" الأمريكي، و"دويتشه بنك" الألماني، و"إتش. إس بي. سي" البريطاني.
وحاليا هناك ما يقرب من 300 مصرف ومؤسسة مالية إسلامية في جميع أنحاء العالم، من المتوقع أن ترتفع قيمة أصولها إلى تريليون دولار بحلول عام 2013، بحسب تقديرات منظمات مالية دولية.
وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية، فإن حجم أصول وأرصدة المصارف الإسلامية الرئيسية في العالم قد زاد في العام 2009 الماضي، 28.6%، بينما بلغ حجم أكبر 500 مصرف إسلامي 822 مليار دولار في 2009 في مقابل 639 مليارا في 2008.
كما واصلت سوق الصكوك الإسلامية (أو سندات الدَّيْن المطابقة للشريعة) النمو على الرغم من مشاكل واجهتها في التخلف عن تسديد إصدارين وقلق أحاط بثالث، في أعقاب تفجر أزمة مؤسسة دبي العالمية، في ديسمبر الماضي؛ حيث شهد العام 2009 إصدار صكوك بقيمة 23.3 مليار دولار في مقابل 14.9 مليارا في 2008. ويبلغ حجم سوق الصكوك الإسلامية حاليا، بحسب "بي. بي. سي"، 100 مليار دولار.
وبحسب تقديرات خبراء، فإن العاصمة البريطانية لندن، بدأت في التحرك لانتزاع المركز الأول في أنشطة الصيرفة والتمويل الإسلامية من ماليزيا والبحرين؛ حيث شهدت لندن في الأشهر الثلاثة الأخيرة أربعة مؤتمرات عن الاقتصاد والصيرفة الإسلامية، كان آخرها "المنتدى الدولي للتمويل الإسلامي 2010"، الذي نظمته مؤسسة "آي. آي. آر الشرق الأوسط" في الأسبوع الأخير من يناير الماضي.