محمد محمود حوسو محاسب فعال
عدد الرسائل : 98 العمر : 81 الدولة : فلسطين السٌّمعَة : 2 نقاط : 5725
| موضوع: التخطيط والضريبة الأحد 12 فبراير 2012 - 22:09 | |
| فرض الضرائب والتخطيط تعتبر ضريبة الدخل واحدة من أهم أدوات السياسة الاقتصادية والمالية المفروضة بقانون من مجلس الشعب وفقا للقاعدة البرلمانية No taxation without representation، وتحقق ضريبة الدخل بالعادة ثلاث أهداف، اقتصادية تنموية وعدالة اجتماعية وتمويل الخزينة، والسؤال المثار حاليا ، هل صدور القانون الجديد يحقق الأهداف السليقة ؟ فإذا ما علمنا أن ضريبة الدخل تشكل 70% من إيرادات الدول الرأسمالية المتقدمة، بينما تصل في فلسطين إلى 7%، نلاحظ ان الاهتمام غير العادي بضريبة الدخل في السلطة الفلسطينية عليه علامات سؤال كبيرة؟ وهل يمكن رفع هذه النسبة أو حتى مضاعفتها مع تحقيق أهداف الضريبة بشكل عام ورفع الجباية لتغطية عجز السلطة في الموازنة ؟ والاجابة والملاحظ أن القانون الجديد هدف تحقيق جباية الأموال وتعزيز الموازنة دون مراعاة تحقيق أهداف الضريبة العامة الممنهجة السابقة، بل هدف إلى تعزيز الجباية وتغطية عجز الموازنة بالدرجة الأولى مما سيفرض أثار سلبية على الاقتصاد الفلسطيني، بالإضافة أنه شكل خرقا قانونيا بإعطاء مجلس الوزراء ووزير المالية حقوقا تشريعية، مخالفا بذلك دوره التنفيذي. وقاعدة No taxation without representation. والسؤال الآن هل هناك ضرورات ملحة تقتضي فرض ضريبة دون مراعاة الآثار السلبية المتوقعة لفرض هذه الضريبة؟ وهل نحن في أزمة مالية عامة؟بداية ينبغي أن نعترف جميعا بان هناك أزمة "مالية عامة" حقيقية تتلخص بوجود عجز مالي في موازنة السلطة لعام 2012 بحوالي ثلاثمائة وخمسون مليون دولار، ناجمة عن تقلص الموارد الخارجية المدفوعة للسلطة وصعوبة بالغة في التخلص من التزامات السلطة قبل مواطنيها في الضفة الغربية وقطاع غزة . ومطلوب من جميع المواطنين والسلطة أن يجدوا حلا لهذه الأزمة، وان يتقاسموا أعباء هذه الأزمة وإيجاد حلول لها وتحمل تبعات المرحلة الحالية كل حسب طاقته، وقدراته المالية، وبما أن السلطة هي المكلفة بإدارة المناطق وهي التي خلقت هذا العجز المالي نتيجة سياساتها المالية في السنوات السابقة فيجب عليها أن تجد الحلول المناسبة من غير إجحاف بحق المواطنين وفرض عليهم أعباء مالية لا يستطيعون تحملها في الوقت الحاضر. جذور الأزمة: في الظروف الناشئة عن الانتفاضة الثانية، سعت السلطة إلى المساعدة في التخفيف من أثار الأزمة الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة للمواطنين من خلال تشغيل قسم كبير من العمالة العاطلة عن العمل بما فيها تلك التي منعتها إسرائيل من العمل فيها، وقد قاد هذا إلى تضخم في نفقات السلطة اعتمدت في تمويله على المساعدات الخارجية، وفد ساهم ذلك في سد العجز المتزايد في الميزان التجاري الفلسطيني. وحيث أن ذلك لم يتأتى من الإيرادات المحلية المعتمدة على التطور الذاتي والطبيعي للاقتصاد الوطني، بل بالعكس فإنه نتيجة لاستمرار حالة الحصار والعوائق التي يفرضها الاحتلال أمام الاستثمار والتنمية. وقد قاد ذلك إلى تطور الفروع الاقتصادية غير القابلة للتداول على حساب الفروع الاقتصادية الإنتاجية القابلة للتداول مما زاد في الخلل الهيكلي للاقتصاد ترسخا. كما القى ذلك بأعباء ثقيلة على كاهل السلطة ليس من السهولة التخلص منها بجرة قلم. وإدراكا منها لصعوبة الوضع فقد اعتمدت السلطة في الفترة من 2001 إلى 2007 سياسة مالية متساهلة إلى حد كبير مع القطاع الخاص وباقي المكلفين مرتكزة في ذلك على توفر مصادر دعم خارجية لها، لكنها ورغبة منها لتقليص الاعتماد على الموارد الخارجية واعتقادا منها ببدء توفر نوع من "الاستقرار الاقتصادي" الناجم عن "الاستقرار الأمني" وتضاؤل بل ونضوب موارد الدعم الخارجية، أخذت السلطة بدءا من العام 2008 باتخاذ سياسة مالية اقل تسامحا في مجال الإيرادات وأكثر تشددا في مجال النفقات، إلى أن بلغت ذروة هذه الإجراءات بقانون ضريبة الدخل المعدل ومشروع قانون التقاعد المبكر. حيث قام الرئيس الفلسطيني بتاريخ 26/9/2011 بالتوقيع على قرار بقانون جديد لضريبة الدخل رقم 8 لسنة 2011، وقد تم نشره في الجريد الرسمية بتاريخ 24/10/2011 وسيعمل بهذا القرار بالقانون من تاريخ نشره وسيطبق على الدخول المتحققة في السنة 2011. وقد أثار ذلك ردود فعل غاضبة لدى معظم الفئات والشرائح الاجتماعية، حيث بدت الحكومة كمن يفتح النار وبصورة مفاجئة في كل الاتجاهات وعلى الجميع في آن واحد. إذ كيف يمكن أن نشرع أكثر من قانون ضريبي في اقل من سنة، إلا إذا كانت السياسة المالية المتبعة ضيقة التفكير ولا تأخذ في حسبانها رسم السياسات البديلة قصيرة المدى أو متوسطة المدى أو حتى طويلة المدى. و يبدو أن الحكومة لم تأخذ بالحسبان أن الاستقرار الاقتصادي ما زال هشا وان شرائح اجتماعية واسعة ما زالت تعاني من البطالة والفقر وغلاء المعيشة، وأن السوق الفلسطيني ما زال ضعيفا وضيقا ولا يستطيع توفير سوى عدد محدود من فرص العمل سنويا، وان قدرته على توليد المزيد من الدخل الخاضع للضريبة بمعدلات عالية أصلا ما زال موضع شك. و على العكس من ذلك فهناك من كان يتوقع مساهمة الحكومة في حل قضية الغلاء والحفاظ على القيمة الحقيقية للرواتب، وتخفيض الرسوم، ودعم بعض السلع الأساسية مثل الخبز والمحروقات والقطاع الزراعي ، وإقامة مزيد من المشاريع الاستثمارية والاستيعابية لتشغيل الأيدي العاملة، وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي ...الخ. كما توقع القطاع الخاص مزيدا من التسهيلات لتشجيع الاستثمارات خصوصا في المشاريع الصغيرة والمتوسطة ولدعم المنتج المحلي وتشجيع الصادرات ولتوفير مزيد من فرص الائتمان وبشروط تحفيزية..........الخ لكن الحكومة جاءت بعكس ذلك تماما، وبدت كمن يصب الزيت على النار ويلعب بأقوات الفئات الفقيرة والغنية على السواء.مبدأ وظيفية الضرائب يقوم مبدأ مفهوم وظيفية الضرائب، أنه لكل ضريبة أثر ما على النشاط الاقتصادي للدولة ، وبذلك لا يمكن فرض الضرائب لمجرد تحصيل الأموال، حيث قد تكون الضريبة ذات حصيلة عالية كالضرائب على الدخل والتركات والودائع والاسهم، ولكن أيضاً ذات آثار اقتصادية غير مرغوبة بل وضارة بالنشاط الاقتصادي للدولة. فمثلاً فرض ضريبة على مدخرات المواطنين قد يوفر للدولة حصيلة كبيرة ولكنه في الوقت ذاته سيدفع المواطنين لإخفاء مدخراتهم وإبعادها عن النشاط الاقتصادي لتجنب دفع الضريبة ، وبالتالي سيخسر الاقتصاد هذه المدخرات. في حين أن فرض ضريبة على الموارد العاطلة (كالأراضي والعقارات غير المستخدمة) قد لا يوفر للدولة حصيلة كافية ولكنه سيدفع المواطنين لاستغلال مواردهم وممتلكاتهم لتجنب دفع الضريبة ،وبالتالي تسهم الضريبة في تحسين استغلال موارد الدولة. ففي فلسطين حاليا نرى أن بيع الشقق الحاضرة زاد بنسبة كبيرة في السنوات الأخيرة وبأسعار خيالية ، ولكن الدولة لم تستغل هذا القطاع في تحقيق زيادة في الجباية سواء لضريبة الدخل أو ضريبة القيمة المضافة ، علما أن الاستثمار في هذا القطاع محصور على طبقة الرأسماليين فقط ؟ فهنا نقول انه لم تستخدم وظيفة الضرائب بشكل منهجي من قبل صناع السياسة المالية. والملاحظ انه في ظل الأزمة المالية العامة في فلسطين، تستمر معدلات غلاء المعيشة والبطالة والفقر في الأراضي الفلسطينية بمستويات عالية نسبيا، بل أن هناك مخاوف من أن السياسة المالية الجديدة للحكومة ستؤدي إلى تفاقم الأزمة بدلا من حلها، والى زيادة في تلك المعدلات. فبالتوازي مع سعيها لحل أزمة العجز في الموازنة وزيادة إيراداتها من المصادر المحلية وتقليص نفقاتها، لم تأخذ الحكومة بعين الاعتبار معدلات غلاء المعيشة والبطالة والفقر، واتخاذ رزمة من الإجراءات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية للحد من زيادة تلك المعدلات وللتأكد من عدم انعكاس سياستها المالية سلبا عليها وعلى النشاط الاقتصادي والمناخ الاستثماري. ولذلك أقول أن من المهم في البداية أن نشير إلى أن الضرائب أداة من أدوات السياسة المالية لا يمكن أن تحدث الآثار المبتغاة منها بدون التنسيق الكامل مع أدوات السياسة النقدية. فالتعامل مع أداة الضرائب بمعزل أو بشكل مستقل عن أدوات السياسة النقدية لا يمكن لها أن تحقق الأغراض و/أو الأهداف من وراء فرضها أو استخدامها بمفردها، بل ستتحول إلى عبء آني ومستقبلي عوضا عن أن تكون أداة أو وسيلة تساهم في زيادة الإيرادات الضريبية .وبشكل عام فإن الضرائب حتى تكون فعالة ومجدية ومفهومة ومقبولة نسبيا أو تواجه حدا ادني من الاعتراضات وهذا منطق الأشياء وطبيعتها، لا بد أن تكون محفزة للاقتصاد ومشجعة للاستثمار وجاذبة للمستثمرين قبل أن تكون أداة لتحصيل الإيرادات والجباية.فإذا اقتصر الهدف من الضرائب على الجباية، فعند ذاك ستتحول إلى أداة غير طاردة للاستثمار فحسب بل ومحبطة له بالإضافة إلى أنها ستفشل في زيادة الإيرادات وبالتالي سينتفي الغرض من فرضها. الانكماش الاقتصادي المتوقع إن فرض ضرائب إضافية وتخفيض النفقات جزئيا مع ثبات أو تحييد أدوات السياسة النقدية سيترتب عليه مباشرة حدوث نقص ملموس في السيولة النقدية المتاحة في حركة التداول في السوق مما يتولد عنها حصول انكماش وتراجع في النمو الاقتصادي.كما سيؤدي إلى قيام الشركات والمؤسسات الاقتصادية بفرملة حركة التعيينات ووضع جداول زمنية لإنهاء عقود عدد من الموظفين والعمال ووقف الخطط نحو الشروع في استثمارات جديدة وتخفيض المبالغ التي تخصصها الشركات للمسئولية الاجتماعية وعزوف العديد من المستثمرين من الداخل أو الخارج على توسيع استثماراتهم بل على العكس – وهذا ما حصل فعلا – قيامهم ببيع أو التخلص من استثماراتهم في شتى المجالات وخاصة في مجال السوق المالي. وبحكم أن الاقتصاد عبارة عن سلسلة متصلة من المؤسسات والشركات تتأثر بالقرارات الاقتصادية والمالية وتتفاعل معها سلبا أو إيجابا حسب فحوى ومضمون القرارات فيما إذا كانت محفزة أو مثبطة ، فإن كل شركة أو مؤسسة ستحذو حذو الأخرى وستتأثر بها وتقوم بتقليص موظفيها وتخفيض نفقاتها مما يؤدي بالتدريج إلى تراجع الطلب الكلي ودخول الاقتصاد في مرحلة الانكماش وبالتالي إلى تراجع النشاط التجاري وانخفاض الأرباح وحجم الدخول وبالتالي تقليص العوائد والإيرادات الضريبية . وبهذا ستنتفي الأغراض التي من اجلها فرضت الضريبة وحالت دون تحقيق الأهداف المبتغاة وهو سد العجز المشار إليه.فرئيس الوزراء عليه أن يفاضل بين فرض القانون والحصول على إيرادات ضريبية إضافية مؤقتة لا تلبث أن تزول وتختفي وبين دخول الاقتصاد الفلسطيني في مسرب الانكماش الاقتصادي بكل ما يترتب عليه من آثار سلبية مدمرة طويلة الأمد.فمن السهل جدا إدخال الاقتصاد في حالة من الانكماش أو الكساد ولكن من سيخرجه من القاع فيما بعد وكيف سيتم وما هو الثمن الذي سيدفعه الاقتصاد الفلسطيني مقابل ذلك ؟؟ فالخروج من الانكماش يحتاج إلى روافع ليست متوفرة محليا والحكومة أعجز من أن تستطيع توفير الأموال اللازمة للعودة للانتعاش وخاصة أن وضعها المالي سيزداد سوءا في فترة الانكماش بسبب قلة مواردها الناجمة عن تراجع العائدات الضريبية. من الممكن إيجاد بدائل لتعويض العجز من مصادر مختلفة سنأتي على ذكر بعضها عند الحديث عن الحتوت البديلة. ولكن الشيء الأكيد انه لا يمكن للقطاع الخاص الذي يشغَل نحو 70% من الأيدي العاملة ويساهم ب 75% من الناتج المحلي أن يمول السياسات الخاطئة والهدر الذي تمارسه الحكومة، لان الشعب لا يصلح السياسات المتسرعة وإنما ينتقدها وبشدة لدرجة انه يمكن إن تسقط حكومات وتقوم أخرى نتيجة لفرض الضرائب.
فرض الضرائب والتخطيط تعتبر ضريبة الدخل واحدة من أهم أدوات السياسة الاقتصادية والمالية المفروضة بقانون من مجلس الشعب وفقا للقاعدة البرلمانية No taxation without representation، وتحقق ضريبة الدخل بالعادة ثلاث أهداف، اقتصادية تنموية وعدالة اجتماعية وتمويل الخزينة،
والسؤال المثار حاليا ، هل صدور القانون الجديد يحقق الأهداف السليقة ؟
فإذا ما علمنا أن ضريبة الدخل تشكل 70% من إيرادات الدول الرأسمالية المتقدمة، بينما تصل في فلسطين إلى 7%، نلاحظ ان الاهتمام غير العادي بضريبة الدخل في السلطة الفلسطينية عليه علامات سؤال كبيرة؟ وهل يمكن رفع هذه النسبة أو حتى مضاعفتها مع تحقيق أهداف الضريبة بشكل عام ورفع الجباية لتغطية عجز السلطة في الموازنة ؟ والاجابة والملاحظ أن القانون الجديد هدف تحقيق جباية الأموال وتعزيز الموازنة دون مراعاة تحقيق أهداف الضريبة العامة الممنهجة السابقة، بل هدف إلى تعزيز الجباية وتغطية عجز الموازنة بالدرجة الأولى مما سيفرض أثار سلبية على الاقتصاد الفلسطيني، بالإضافة أنه شكل خرقا قانونيا بإعطاء مجلس الوزراء ووزير المالية حقوقا تشريعية، مخالفا بذلك دوره التنفيذي. وقاعدة No taxation without representation.
والسؤال الآن هل هناك ضرورات ملحة تقتضي فرض ضريبة دون مراعاة الآثار السلبية المتوقعة لفرض هذه الضريبة؟ وهل نحن في أزمة مالية عامة؟
بداية ينبغي أن نعترف جميعا بان هناك أزمة "مالية عامة" حقيقية تتلخص بوجود عجز مالي في موازنة السلطة لعام 2012 بحوالي ثلاثمائة وخمسون مليون دولار، ناجمة عن تقلص الموارد الخارجية المدفوعة للسلطة وصعوبة بالغة في التخلص من التزامات السلطة قبل مواطنيها في الضفة الغربية وقطاع غزة . ومطلوب من جميع المواطنين والسلطة أن يجدوا حلا لهذه الأزمة، وان يتقاسموا أعباء هذه الأزمة وإيجاد حلول لها وتحمل تبعات المرحلة الحالية كل حسب طاقته، وقدراته المالية، وبما أن السلطة هي المكلفة بإدارة المناطق وهي التي خلقت هذا العجز المالي نتيجة سياساتها المالية في السنوات السابقة فيجب عليها أن تجد الحلول المناسبة من غير إجحاف بحق المواطنين وفرض عليهم أعباء مالية لا يستطيعون تحملها في الوقت الحاضر.
جذور الأزمة:
في الظروف الناشئة عن الانتفاضة الثانية، سعت السلطة إلى المساعدة في التخفيف من أثار الأزمة الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة للمواطنين من خلال تشغيل قسم كبير من العمالة العاطلة عن العمل بما فيها تلك التي منعتها إسرائيل من العمل فيها، وقد قاد هذا إلى تضخم في نفقات السلطة اعتمدت في تمويله على المساعدات الخارجية، وفد ساهم ذلك في سد العجز المتزايد في الميزان التجاري الفلسطيني. وحيث أن ذلك لم يتأتى من الإيرادات المحلية المعتمدة على التطور الذاتي والطبيعي للاقتصاد الوطني، بل بالعكس فإنه نتيجة لاستمرار حالة الحصار والعوائق التي يفرضها الاحتلال أمام الاستثمار والتنمية. وقد قاد ذلك إلى تطور الفروع الاقتصادية غير القابلة للتداول على حساب الفروع الاقتصادية الإنتاجية القابلة للتداول مما زاد في الخلل الهيكلي للاقتصاد ترسخا. كما القى ذلك بأعباء ثقيلة على كاهل السلطة ليس من السهولة التخلص منها بجرة قلم. وإدراكا منها لصعوبة الوضع فقد اعتمدت السلطة في الفترة من 2001 إلى 2007 سياسة مالية متساهلة إلى حد كبير مع القطاع الخاص وباقي المكلفين مرتكزة في ذلك على توفر مصادر دعم خارجية لها، لكنها ورغبة منها لتقليص الاعتماد على الموارد الخارجية واعتقادا منها ببدء توفر نوع من "الاستقرار الاقتصادي" الناجم عن "الاستقرار الأمني" وتضاؤل بل ونضوب موارد الدعم الخارجية، أخذت السلطة بدءا من العام 2008 باتخاذ سياسة مالية اقل تسامحا في مجال الإيرادات وأكثر تشددا في مجال النفقات، إلى أن بلغت ذروة هذه الإجراءات بقانون ضريبة الدخل المعدل ومشروع قانون التقاعد المبكر. حيث قام الرئيس الفلسطيني بتاريخ 26/9/2011 بالتوقيع على قرار بقانون جديد لضريبة الدخل رقم 8 لسنة 2011، وقد تم نشره في الجريد الرسمية بتاريخ 24/10/2011 وسيعمل بهذا القرار بالقانون من تاريخ نشره وسيطبق على الدخول المتحققة في السنة 2011. وقد أثار ذلك ردود فعل غاضبة لدى معظم الفئات والشرائح الاجتماعية، حيث بدت الحكومة كمن يفتح النار وبصورة مفاجئة في كل الاتجاهات وعلى الجميع في آن واحد. إذ كيف يمكن أن نشرع أكثر من قانون ضريبي في اقل من سنة، إلا إذا كانت السياسة المالية المتبعة ضيقة التفكير ولا تأخذ في حسبانها رسم السياسات البديلة قصيرة المدى أو متوسطة المدى أو حتى طويلة المدى. و يبدو أن الحكومة لم تأخذ بالحسبان أن الاستقرار الاقتصادي ما زال هشا وان شرائح اجتماعية واسعة ما زالت تعاني من البطالة والفقر وغلاء المعيشة، وأن السوق الفلسطيني ما زال ضعيفا وضيقا ولا يستطيع توفير سوى عدد محدود من فرص العمل سنويا، وان قدرته على توليد المزيد من الدخل الخاضع للضريبة بمعدلات عالية أصلا ما زال موضع شك. و على العكس من ذلك فهناك من كان يتوقع مساهمة الحكومة في حل قضية الغلاء والحفاظ على القيمة الحقيقية للرواتب، وتخفيض الرسوم، ودعم بعض السلع الأساسية مثل الخبز والمحروقات والقطاع الزراعي ، وإقامة مزيد من المشاريع الاستثمارية والاستيعابية لتشغيل الأيدي العاملة، وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي ...الخ. كما توقع القطاع الخاص مزيدا من التسهيلات لتشجيع الاستثمارات خصوصا في المشاريع الصغيرة والمتوسطة ولدعم المنتج المحلي وتشجيع الصادرات ولتوفير مزيد من فرص الائتمان وبشروط تحفيزية..........الخ لكن الحكومة جاءت بعكس ذلك تماما، وبدت كمن يصب الزيت على النار ويلعب بأقوات الفئات الفقيرة والغنية على السواء.
مبدأ وظيفية الضرائب
يقوم مبدأ مفهوم وظيفية الضرائب، أنه لكل ضريبة أثر ما على النشاط الاقتصادي للدولة ، وبذلك لا يمكن فرض الضرائب لمجرد تحصيل الأموال، حيث قد تكون الضريبة ذات حصيلة عالية كالضرائب على الدخل والتركات والودائع والاسهم، ولكن أيضاً ذات آثار اقتصادية غير مرغوبة بل وضارة بالنشاط الاقتصادي للدولة. فمثلاً فرض ضريبة على مدخرات المواطنين قد يوفر للدولة حصيلة كبيرة ولكنه في الوقت ذاته سيدفع المواطنين لإخفاء مدخراتهم وإبعادها عن النشاط الاقتصادي لتجنب دفع الضريبة ، وبالتالي سيخسر الاقتصاد هذه المدخرات. في حين أن فرض ضريبة على الموارد العاطلة (كالأراضي والعقارات غير المستخدمة) قد لا يوفر للدولة حصيلة كافية ولكنه سيدفع المواطنين لاستغلال مواردهم وممتلكاتهم لتجنب دفع الضريبة ،وبالتالي تسهم الضريبة في تحسين استغلال موارد الدولة. ففي فلسطين حاليا نرى أن بيع الشقق الحاضرة زاد بنسبة كبيرة في السنوات الأخيرة وبأسعار خيالية ، ولكن الدولة لم تستغل هذا القطاع في تحقيق زيادة في الجباية سواء لضريبة الدخل أو ضريبة القيمة المضافة ، علما أن الاستثمار في هذا القطاع محصور على طبقة الرأسماليين فقط ؟ فهنا نقول انه لم تستخدم وظيفة الضرائب بشكل منهجي من قبل صناع السياسة المالية. والملاحظ انه في ظل الأزمة المالية العامة في فلسطين، تستمر معدلات غلاء المعيشة والبطالة والفقر في الأراضي الفلسطينية بمستويات عالية نسبيا، بل أن هناك مخاوف من أن السياسة المالية الجديدة للحكومة ستؤدي إلى تفاقم الأزمة بدلا من حلها، والى زيادة في تلك المعدلات. فبالتوازي مع سعيها لحل أزمة العجز في الموازنة وزيادة إيراداتها من المصادر المحلية وتقليص نفقاتها، لم تأخذ الحكومة بعين الاعتبار معدلات غلاء المعيشة والبطالة والفقر، واتخاذ رزمة من الإجراءات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية للحد من زيادة تلك المعدلات وللتأكد من عدم انعكاس سياستها المالية سلبا عليها وعلى النشاط الاقتصادي والمناخ الاستثماري. ولذلك أقول أن من المهم في البداية أن نشير إلى أن الضرائب أداة من أدوات السياسة المالية لا يمكن أن تحدث الآثار المبتغاة منها بدون التنسيق الكامل مع أدوات السياسة النقدية. فالتعامل مع أداة الضرائب بمعزل أو بشكل مستقل عن أدوات السياسة النقدية لا يمكن لها أن تحقق الأغراض و/أو الأهداف من وراء فرضها أو استخدامها بمفردها، بل ستتحول إلى عبء آني ومستقبلي عوضا عن أن تكون أداة أو وسيلة تساهم في زيادة الإيرادات الضريبية .وبشكل عام فإن الضرائب حتى تكون فعالة ومجدية ومفهومة ومقبولة نسبيا أو تواجه حدا ادني من الاعتراضات وهذا منطق الأشياء وطبيعتها، لا بد أن تكون محفزة للاقتصاد ومشجعة للاستثمار وجاذبة للمستثمرين قبل أن تكون أداة لتحصيل الإيرادات والجباية.فإذا اقتصر الهدف من الضرائب على الجباية، فعند ذاك ستتحول إلى أداة غير طاردة للاستثمار فحسب بل ومحبطة له بالإضافة إلى أنها ستفشل في زيادة الإيرادات وبالتالي سينتفي الغرض من فرضها.
الانكماش الاقتصادي المتوقع
إن فرض ضرائب إضافية وتخفيض النفقات جزئيا مع ثبات أو تحييد أدوات السياسة النقدية سيترتب عليه مباشرة حدوث نقص ملموس في السيولة النقدية المتاحة في حركة التداول في السوق مما يتولد عنها حصول انكماش وتراجع في النمو الاقتصادي.كما سيؤدي إلى قيام الشركات والمؤسسات الاقتصادية بفرملة حركة التعيينات ووضع جداول زمنية لإنهاء عقود عدد من الموظفين والعمال ووقف الخطط نحو الشروع في استثمارات جديدة وتخفيض المبالغ التي تخصصها الشركات للمسئولية الاجتماعية وعزوف العديد من المستثمرين من الداخل أو الخارج على توسيع استثماراتهم بل على العكس – وهذا ما حصل فعلا – قيامهم ببيع أو التخلص من استثماراتهم في شتى المجالات وخاصة في مجال السوق المالي. وبحكم أن الاقتصاد عبارة عن سلسلة متصلة من المؤسسات والشركات تتأثر بالقرارات الاقتصادية والمالية وتتفاعل معها سلبا أو إيجابا حسب فحوى ومضمون القرارات فيما إذا كانت محفزة أو مثبطة ، فإن كل شركة أو مؤسسة ستحذو حذو الأخرى وستتأثر بها وتقوم بتقليص موظفيها وتخفيض نفقاتها مما يؤدي بالتدريج إلى تراجع الطلب الكلي ودخول الاقتصاد في مرحلة الانكماش وبالتالي إلى تراجع النشاط التجاري وانخفاض الأرباح وحجم الدخول وبالتالي تقليص العوائد والإيرادات الضريبية . وبهذا ستنتفي الأغراض التي من اجلها فرضت الضريبة وحالت دون تحقيق الأهداف المبتغاة وهو سد العجز المشار إليه.فرئيس الوزراء عليه أن يفاضل بين فرض القانون والحصول على إيرادات ضريبية إضافية مؤقتة لا تلبث أن تزول وتختفي وبين دخول الاقتصاد الفلسطيني في مسرب الانكماش الاقتصادي بكل ما يترتب عليه من آثار سلبية مدمرة طويلة الأمد.فمن السهل جدا إدخال الاقتصاد في حالة من الانكماش أو الكساد ولكن من سيخرجه من القاع فيما بعد وكيف سيتم وما هو الثمن الذي سيدفعه الاقتصاد الفلسطيني مقابل ذلك ؟؟ فالخروج من الانكماش يحتاج إلى روافع ليست متوفرة محليا والحكومة أعجز من أن تستطيع توفير الأموال اللازمة للعودة للانتعاش وخاصة أن وضعها المالي سيزداد سوءا في فترة الانكماش بسبب قلة مواردها الناجمة عن تراجع العائدات الضريبية. من الممكن إيجاد بدائل لتعويض العجز من مصادر مختلفة سنأتي على ذكر بعضها عند الحديث عن الحتوت البديلة. ولكن الشيء الأكيد انه لا يمكن للقطاع الخاص الذي يشغَل نحو 70% من الأيدي العاملة ويساهم ب 75% من الناتج المحلي أن يمول السياسات الخاطئة والهدر الذي تمارسه الحكومة، لان الشعب لا يصلح السياسات المتسرعة وإنما ينتقدها وبشدة لدرجة انه يمكن إن تسقط حكومات وتقوم أخرى نتيجة لفرض الضرائب.
|
|
العدناني كبير المشرفين
عدد الرسائل : 7585 الدولة : الأردن الوظيفة ؟ : محاسب قانوني المؤهل العلمي : بكالوريوس السٌّمعَة : 41 نقاط : 19846
بطاقة الشخصية المزاج: البرج: الهوايه:
| موضوع: رد: التخطيط والضريبة الإثنين 5 مارس 2012 - 23:05 | |
| |
|