الحقوق المتعلقة بالتركة
من كتابأحكام الميراث في الشريعة الإسلامية
تأليف الدكتور جمعة محمد محمد براج
الحقوق المتعلقة بالتركة أربعة مرتبة على النحو التالي :
1- التجهيز .
2- قضاء الدين .
3- تنفيذ الوصية .
4- الميراث .
الحكمة من ترتيب الحقوق على هذا النحو :لأن التجهيز من حاجات الإنسان الضرورية، التي لا يمكن الاستغناء عنها، والإنسان بعد موته أحوج إلى ستر عورته، لا سيما وأنه أصبح في عجز تام لا حول له ولا قوة، ولا يستطيع أن يكتسب لنفسه كفنا يستر به عورته، فليس من العدل أو الإنصاف أن يذهب عريان إلى دار الآخرة، وله من الأموال ما يسد الحاجة، وإن كانت قد تعلق بها حق الدائنين فالتجهيز أولى. ومن ناحية أخرى فالإنسان إذا مات ولم يكن له ما يكفن به لزم كفنه على من حضر من المسلمين، أو أحد أقاربه الذين تجب نفقته عليهم، ولكن سداد الديون لا يلزم به أحد غير المدين، مهما كان وثيق الصلة بالميت، فأصبح التجهيز أهم من الدين، والبدء بالأهم واجب.
بعد أن بينا أن التجهيز مقدم على الديون مطلقا، وهو مذهب الحنابلة وأنه أول حق به تركة الميت، ذلك لأن التجهيز من حاجات الإنسان الأصلية الضرورية، لأنه بمثابة ملبسه ومسكنه في حياته، بل أولى منها لعجزه وعدم قدرته على كسب ما يستر به عورته، فلذالك تبقى للتجهيز الأولوية على سائر الحقوق.
وقدم الدين على الوصية، لأن المال يجب أن يصرف لسداد الدين، حالتي الحياة والممات، سواء أوصى أو لم يوص بخلاف الوصية، ولأن الميت في حاجة إلى الوفاء بدينه لإبراء ذمته، ولا شك أن إبراء ذمته من أهم حوائجه، ولان الدين تعلق بذمة الميت حال حياته، وتعلق بالتركة كلها وقت الموت، وأما الوصية فإنها لم تتعلق بالذمة في الحياة، بدليل أنه يصح الرجوع فيها، ولم تتعلق بعد بالموت بكل التركة بل بجزء منها وهو الثلث. ولأن الوصية إن كانت من التبرعات فهي تطوع ، والدين واجب ، فهو أقوى، وإن كانت من الواجبات كالوصية الواجبة، فإنها تكون في معنى الإرث، والإرث مؤخر عن الدين، وإن كانت حقا لله تعالى، فدين العبد مقدم على دين الله تعالى، لأن الله هو الغني والعباد هم الفقراء.
على أن الدين مقدم على الوصية، لما روي عن علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – أنه قال: قضى الرسول الله - صلى الله عليه وسلم – بالدين قبل الوصية، وأنتم تقرأونها ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) وإن أعيان بني الأم ليتوارثون دون بني العلات.
وللإجماع فإن الأمة من عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على ذلك بلا نكير.
وأما تقديم الوصية على الدين في آية المواريث: ( من بعد وصية يوصى بها أو دين ) فإنه تقديم في الذكر وهو لا يستلزم التقديم في الحكم، ويظهر أنها قدمت عليه لكونها أشرف منه لأنها قربة، والدين مذموم غالبا، أو لحث الورثة عليها لأنها مظنة التفريط حيث أنها تؤخذ بلا عوض، بخلاف الدين فإنه في مقابلة عوض وله مطالب بقوة وسلطان، ونفوس الورثة مطمئنة بأدائه، أو لأنها حظ فقير ومسكين غالبا، والدين حق غريم ثابت مؤدي ذكر أو لم يذكر. ويحتمل أن تقديمها في الذكر لأن حكمها كان مقرا عندهم.
وأما تقديم الوصية على الإرث، فإنها قدمت عليه لأنها لو أخرناها عنه لا يبقى الورثة شيئا للوصايا، لأنهم يقتسمون كل ما يبقى بعد التجهيز والدين.